"الملتقى الثقافي.. والمثقف حينما يكون بلا ثقافة"
صخرة الخلاص
تابعت –كغيري- فاعليات الملتقى الثقافي، وقد تعجبت من تناقض فعالياته مع مبدأ "الفعاليات" فقد كان أشبه ما يكون باجتماع خاص لحزبٍ معين، وذلك تلمسه من خلال خاصية الفعاليات ومن شارك فيها، فأغلب من ساهم هم من خط أو حزب واحد، ولغة الملتقى كانت حديّة وإقصائية واحدة، كان الملتقى الثقافي أشبه بحفلة عزاء ومناحة لشركة واحدة!
كان الملتقى عن الثقافة، وكان في بلد هو رأس البلاد الإسلامية، وقبلة المسلمين، ومهبط الوحي، وبلد الحرمين الشريفين، فكان المفترض أن يصب الملتقى في رافد هذه الأساسيات لا أن يحاول مخالفتها أو هدمها.
إن الملتقى الثقافي –للأسف- كان أكبر ضربة للثقافة نفسها، وما تعنيه، وأهدافها، فالثقافة في تراثنا العربي أول ما تعني هو "الحوار والمناقشة" وهذا ما تم التضحية به في هذا الملتقى الثقافي، فلم يكن هناك حوار ولا مناقشة بقدر ما كان حفلة تأبين ووليمة عزاء وبكاء ولطم وشق الجيوب، كان الملتقى أحادياً إقصائياً، تم اختيار أفراده بعناية فائقة وكأنهم حزب وكتلة معيّنة وذات توجه واحد!
إن أحق اسم له ليس "الملتقى الثقافي" بل " ثقافة الحزب الواحد" الذي لا يرى ولا يسمع ولا يبصر إلا من خلال رؤيته الخاصة فقط، دون أن يسمح بأي تعبير آخر للآخر.
هذا الملتقى الثقافي ضربة للثقافة نفسها، لأنه المفترض أن يكون مكرساً ومتمماً للشرط الاجتماعي، لا أن يكون مصادماً له، متحفزاً منه، ناقماً عليه.
وهذا الملتقى –أيضاً- ضربة للثقافة لأن الثقافة تعنى عند مثقفي العالم: الدين، والشريعة، والعادات والتقاليد. وهذا الملتقى جاء لينعى على كل ذلك، وليهجوا كل تلك المعاني، فكيف صار ملتقى المثقفين حرباً على الثقافة نفسها؟!
يعرّف "أدورد تيلور" الثقافة بأنها: منظومة متكاملة من العقائد والأخلاق والشريعة والمعرفة والعادات والتقاليد، التي يكتسبها الإنسان، من حيث هو عضو في مجتمع.
ويعرّفها "أرنست باركر" بأنها: ذخيرة مشتركة لأمة من الأمم تجمعت لها وانتقلت من جيل إلى جيل خلال تاريخ طويل، وتغلب بوجه عام عقيدة دينية هي جزء من تلك الذخيرة المشتركة.
ويعرفها كذلك "هنري لاووست" فيقول: هي مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون فيها مبدأ خلقي لأمة ما، ويؤمن أصحابها بصحتها.
والسؤال هنا:
* هل أتى هذا الملتقى لتكريس وخدمة ثقافتنا (الدين – الأخلاق – العادات والتقاليد)؟
* أم أنه أتى في الواقع ليحثوا ويهيل التراب على ثقافته؟
* هل ما نادى به الملتقى الثقافي يتلاءم مع ثقافة مجتمعه؟ أم أنه طرح رؤى وأحلام تتصادم مع ثقافته المحليّة بشكل صارخ؟
* هل كان المكان الصحيح لهذا الملتقى وطريقة طرحه السعودية أم واشنطن؟
* أليس المثقف أمين على ثقافته الخاصة وخادم لها؟
إني اتفق مع الدكتور "برهان غليون" في أن نخبنا الثقافية الليبرالية فشلت في الاندماج ضمن نظامنا الثقافي، وفشلت في تقديم أي حل لعملية التقدم الاجتماعي أو المادي أو العلمي، بل على العكس تماماً، فقد خلقت وصنعت المشاكل العديدة التي لا حل لها، لقد أصبحت الثقافة والتحرر وسيلة ومرتعاً لتكوين نخبة متميزة، تسعى لتحسين وضعها ومواقعها، واستغلال السلطة، أكثر مما تعمل على التطوير وحل المشكلات الحقيقية!
إن ثقافة لا تقدس ولا تحافظ على هويتها ليست بثقافة، وإن مثقفاً لا يكرس نفسه لخدمة دينه ووطنه وتقاليده لا يمتلك أي ثقافة –إلا أن تكون ثقافة مستوردة ومعلبة- وإن أي ملتقى لا يكون فيه من يمثل ثقافته الحقيقية ليس بملتقى حقيقي.