السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أعاني من مشاكل نفسية ولا أعرف لماذا وما السبب؟
أنا أميل للعزلة والانطواء وعدم الاختلاط بصديقاتي، وهذا منذ الصغر، فأميل دائما إلى الأغاني الحزينة والموسيقى الحزينة أو الهادئة والبرامج أو المسلسلات المؤلمة، وحتى عند استماع القرآن لا أسمع إلا التلاوة بأصوات حزينة، لا أعرف ما السبب؟!
وأشعر بأن حياتي مملة ليس فيها شيء ممتع أو ما يفرحني، وليس معنى كلامي أن حياتي بائسة، فعلى العكس حياتي ـ والحمد لله ـ تسير كما أريد بالضبط، ولكنني لا أشعر بالمتعة فيها، ولا أشعر بالانجذاب نحوها، وحتى وأنا في قمة السعادة أكون بداخلي حزينة عندما أضحك، لا تخرج الضحكة من قلبي، وعندما أبتسم للجميع لا يكون من قلبي، ولا أعرف ماذا أفعل؟!
أرى كل الفتيات اللواتي في عمري (20) عاما، يهتمون بأنفسهن، ويحبون الحياة، ويستمتعن بأوقاتهن، عكسي!
فأرجو أن ترشدوني إلى الصواب، وأريد أن أعرف ما الذي فيّ، وما الذي يحزنني كل هذا الحزن؟ ولا أعتقد أنه بسبب الابتعاد من الله لأنني ـ والحمد لله ـ قريبة منه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دموع الورد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فالإنسان بطبعه يتأثر ببيئته وبمحيطه وما يعتقده المجتمع أحيانًا، أنت ذكرت أن لديك ميلا منذ الصغر إلى كل ما هو حزين، من أغاني وموسيقى وحتى المسلسلات المؤلمة، هذا الميول تطبعت عليه منذ الصغر؛ ولذا أصبحت تنظرين إلى حياتك من هذه الزاوية.
وتوقفتُ عند قولك ولا أسمع لتلاوة القرآن إلا بأصوات حزينة، لا توجد للقرآن أصوات حزينة، كل الأصوات التي تتلوَ القرآن أصوات فرحة مستبشرة ومفعمة بالأمل والرجاء دائمًا، من خلال كلماته ومعانيه، وإرشاده إلى الخير، والطريق المستقيم.
أعتقد أن الذي يحدث لك هو ما نسميه بالتأثير الإيحائي، الناس تتطبع وتتأثر وجدانيًا من خلال بعض المفاهيم المجتمعية كما ذكرت لك، فقد شاع في مجتمعاتنا أن الحزن مرتبط دائمًا بالأغاني الحزينة والموسيقى الحزينة والمسلسلات والأفلام الحزينة، ويصبح الإنسان منجذبًا لهذا النمط من التعبير الوجداني، ومن ثم يستمر في هذا التطبع.
هذا مجرد تأثير كما ذكرت لك نسميه بالتأثير الإيحائي، أي التطبع الذي فرضه الإنسان على نفسه من خلال مفاهيم خاطئة، وقد يكون مجتمعه أو محيطه هو الذي جره لمثل هذا النوع من التفكير.
فأيتها الفاضلة الكريمة: أنت مطالبة بتغيير المفاهيم، وتغيير المفاهيم يأتي من خلال أن حياة الإنسان لا يمكن أن تحركها الأغاني أو الموسيقى الحزينة أو المسلسلات الحزينة، حياة الإنسان تعتمد فيما يخص مشاعره، تعتمد على قناعاته، على إيمانه، على عقيدته، على الهدف من وجوده، وأن الحياة فيها ما هو مفرح وفيها ما هو محزن، والإنسان يتقلب بين هذا وذاك، ولا نقول أنه توجد حياة وردية، لكن حياة الإنسان دائمًا يملؤها الخير والأمل والسعادة وأعظم سعادة هي التي يحس بها الإنسان حينما يكون في معية الله تعالى، وهذه تسهل عليه حتى أمور الدنيا المحزنة.
فأيتها الفاضلة الكريمة: تغيير المفاهيم وبناء مفهوم جديد هو الذي يجب أن تعتمدي عليه من أجل تغيير تفكيرك الوجداني، واقطعي الصلة بين ما سميته الاستماع إلى الأغاني الحزينة والموسيقى الحزينة، وحالة الكدر البسيطة التي تعانين منها، مجرد التركيز والاعتقاد والقناعة بهذه الصلة سوف يشحن وجدانك بأن حياتك حزينة، هذه الصلات الواهية يجب أن تُقطع، فأنت -الحمد لله تعالى- في بدايات الشباب، حياتك فيها طاقات نفسية وفيها طاقات جسدية ووجدانية، ضعي لحياتك أهدافا، اجتهدي في دراستك، اعرفي أن المستقبل هو لك، أديري وقتك بصورة صحيحة، تعرفي على الصالحات من الفتيات، استفيدي من وقتك فيما هو مفيد، وليس هنالك أبدًا ما يدعوك للحزن.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا سعدت كثيرًا أنك قريبة من الله تعالى، ولا شك أن هذا قمة السعادة ولا شك أن ذلك سوف يجلب لك خيرًا كثيرًا، فقط اقطعي حبل التفكير الإيحائي الذي ذكرته لك.
الإنسان يطبع نفسه، والإنسان يروض نفسه، والإنسان يبني قناعاته حسب ما يريد؛ لذا جاء في القرآن الكريم: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
صححي هذه المفاهيم، واجعلي حياتك كلها رضىً وكلها إنجازات، وكلها انفعالات وتفاعلات إيجابية، وهذا سيشعرك بأن المفاهيم السابقة كانت مجرد مفاهيم إيحائية خاطئة وليس أكثر من ذلك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، ونتمنى لك كل سعادة وكل توفيق.