السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر جميع القآئمين على هذا الموقع على جهودهم، وجعله الله في موازين حسناتهم.
أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة أعاني من كثرة التفكير وقلة التركيز، والنسيان, أتعب نفسي في التفكير في أمور غير لازمة، لدرجة أني أفكر ماذا يفكر فيه الآخرون، بعد أن يحصل بيني وبينهم مواقف مثلاً!
أمشي في أرجاء البيت وأنا أفكر لدرجة أن أهلي ينزعجون مني، أفضل التفكير وأنا أمشي, أفكر في علاقتي العاطفية في أمور الحياة, في المواقف التي تحصل لي, في مستقبلي, أحياناً أفكر في الكلام الذي تحدثت به.
أفكر أحياناً بأني تزوجت وأني توظفت، وماذا أفعل في راتبي, إخواني يلاحظون علي بأني أفكر كثيرا وأنا أنكر ذلك, لا أركز كثيراً، مثلاً أوصى لآتي بأغراض وإذا وصلت لهناك أنسى ما هي الأغراض!
مرة أو مرتين أتخيل أن أمي توفيت، وأقعد أبكي بكاء شديدا.
جميع هذه الأمور تحدث غالبا عندما أكون في البيت، لأن غالب وقتي فارغ, إذا خرجت من البيت أتحسن كثيراً, وجميع هذا الأمور لم أتأثر على علاقتي ودراستي لكن لاحظتها علي.
شكراً .
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أولاً أريد أن أؤكد لك حقيقة علمية هامة، وهو أن في مثل عمرك يكون ذهن الإنسان ومقدراته المعرفية عالية جدًّا ومتقدة، لكن في بعض الحالات قد تنتاب الإنسان بعض الوسواس بعض المخاوف بعض القلق، وهذا يؤدي إلى خلل كبير في مستوى التركيز والإدراكات المعرفية.
من الواضح جدًّا أن حالتك مرتبطة بما تعانيه من قلق، هذا القلق أخذ الطابع الوسواسي، والقلق الذي لديك نسميه بقلق التوقع، أي أنك تضع الفرضيات السلبية حول المستقبل، وربما يكون أيضًا إسرافك بعض الشيء في أحلام اليقظة قد أدى إلى زيادة هذا القلق.
هذه مراحل قد تكون طبيعية جدًّا في مثل عمرك، أي أن مثل هذه الحالات هي حالات عابرة، فأنت الآن تحاول أن تجسر ما بين مرحلة النضوج ومرحلة الطفولة واليفاعة، هذا التجسير تحدث فيه تغيرات كثيرة نفسية، عاطفية، فسيولوجية، وجدانية، وهي إن شاء الله تعالى مرحلة عابرة وقصيرة جدًّا، فأرجو أن تطمئن من هذه الناحية.
الأمر الثاني: أريدك أن تعرف أن القلق في حد ذاته هو طاقة نفسية جيدة، الإنسان الذي لا يقلق لا ينجح، لا ينجز، لا يكون إيجابيًا، لكن هذا القلق يجب أن لا يصل إلى المرحلة المرضية.
ثالثًا: الذي أريده منك هو أن تطبق تمارين الاسترخاء، هذه التمارين ذات قيمة علاجية كبيرة لامتصاص القلق والتوتر والانفعالات السالبة، وللتدريب على هذه التمارين أرجو أن تتصفح أحد المواقع على الإنترنت التي توضح تطبيقها.
رابعًا: أريدك أن تمارس الرياضة، أي نوع من الرياضة، لكن هذه يجب أن تكون هذه الممارسة بالتزام، أي أن تمارسها يوميًا أو على الأقل أربع إلى خمس مرات في الأسبوع. الرياضة تجدد الطاقات الذهنية، وتأتي بطاقات جديدة للإنسان، تمتص هذه الطاقات القلق والتوترات والانفعالات السلبية.
خامسًا: هذا النوع من القلق حين يضايقك، قل لنفسك (أنا سوف أفكر في هذا الموضوع الذي يشغلني لمدة عشرة دقائق فقط، وبعد ذلك سوف أتفرغ لشؤوني الحياتية الأخرى) أي تكون قد خصصت وقتًا لهذا الضيف غير المرغوب، وحين تنتهي العشر دقائق كن حازمًا مع نفسك، وحين تأتيك أي اجترارات أو وساوس أو أي نوع من التفكير القلقي قل لنفسك (أنا أعطيتك الوقت الكافي، والآن أنا أريد أن أفعل كذا وكذا) وبالفعل انخرط في أنشطة مفيدة.
سادسًا: إدارة الوقت بصورة صحيحة هي من أكبر الأمور المفيدة، والشباب الآن مطالب بالفعل أن يدير وقته بصورة صحيحة، خصص وقت لراحتك، وقت للعبادة، وقت للرياضة، وقت للترفيه على النفس بما هو متاح ومباح، القراءات غير الأكاديمية، وقت للدراسة، صلة الرحم، بر الوالدين... هنالك أشياء كثيرة جدًّا يجب على الإنسان أن يلتزم بها ويطبقها، وهذا دائمًا يكون من خلال حسن إدارة الوقت.
الشباب في كثير من المراحل ربما يعيش نوع من الأزمات، أزمات حول الهوية، أزمات حول تأكيد الذات، أزمات حول التفكير المستقبلي، هذه أمور طبيعية، لكن الإنسان يتخطاها بأن يثق في نفسه، يثق في مقدراته، تكون له الرؤيا واضحة، تكون له أهداف واضحة، ويستفيد من طاقاته النفسية والجسدية، وأعتقد إن شاء الله تعالى أنك سوف تسير على هذا المنوال.
سابعًا: وحتى نساعدك بصورة أسهل وأوضح، أعتقد أن تناول أحد الأدوية المضادة للقلق والمحسنة للمزاج والمزيلة للوساوس سوف يساعدك كثيرًا. هنالك أدوية بسيطة الآن غير إدمانية غير تعودية، تفيد كثيرًا في مثل هذه الحالات. من الأدوية الطيبة جدًّا عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) واسمه العلمي هو (فلوكستين) وهو لا يتطلب وصفة طبية، يمكنك أن تتناوله يوميًا بمعدل كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول هذا الدواء.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، ونصيحة أخيرة حول كثرة النسيان: قراءة القرآن بتمعن وتدبر وتفهم وتؤدة تحسن التركيز، قال تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} وأقول لك كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله تعالى أن يعيد علينا وعليكم هذه الأيام الطيبة المباركة.
وبالله التوفيق والسداد.