السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لست أدري من أين أبدأ، فالقصة طويلة جداً، ولكني سأرويها لكم - إن شاء الله -أنا طالب مغربي عمري (21) سنة, قبل سنتين حصلت على شهادة الثانوية العامة, وبعد ذلك كنت محتاراً ماذا أفعل بعد أن تم رفض طلبي في كلية الطب! وقد تكلمت مع أختي المقيمة في بريطانيا واقترحت علي الدراسة هناك بعد أن علمت أن خياري الثاني كان هو دراسة المعلومات والكمبيوتر, فالتحقت هناك بمدرسة لتحضير امتحان اللغة الإنجليزية، - والحمد لله - كنت متفوقاً وحصلت على درجة عليا, بعد ذلك صدمت عندما علمت أن الدراسة في الجامعة هناك تكلف ثمناً باهظاً، ولكنني تعرفت على أخٍ مصري عرفني على مدرسة ثمنها أقل وتقدم دراسات عليا, فقدمت طلباً لتلك لمدرسة - رغم أني لم أكن مقتنعاً بها - وبدأت الدراسة فيها تلك السنة, وصدمت عندما وجدت أن نظام المدرسة نظام فاشل، علاوة على أن الأساتذة ليسوا بالمستوى العالي, وكذلك جودة الدراسة, ولأن المدرسة ليست من تقدم الامتحانات، بل يقدمها مركز آخر، مما سبب لي خللاً ومشكلة كبيرة في جدول حياتي، فأنا الآن على وشك إنهاء السنة الأولى, ولم أقدم أي امتحان, وبعد أن أقوم به في نهاية الشهر القادم لن أحصل على النتائج إلا بعد 3 أشهر.
علماً بأن وزارة الداخلية البريطانية تقوم بإغلاق المدارس لأسباب تافهة، كالأسباب الاقتصادية، ولا تفكر في مستقبل الطلبة, قبل شهر بدأت في إجراءات إغلاق المدرسة التي أدرس بها، وذلك يعني أنني بعد شهرين سأصبح قاطناً بالبلد بصفة غير قانونية - هكذا هي القوانين هناك - وظروفي المادية لا تسمح لي بالدراسة في الجامعة, عندما تحدثت مع أختي في الموضوع بدأت تعتب علي في كوني أضعت الوقت ولم أبحث عن بنت لديها الجنسية البريطانية حتى تساعدني على الحصول على الجنسية عن طريق زواج مصلحة.
أنا - الحمد لله - شاب ملتزم، ولا أريد مثل هذه الحلول, بالإضافة إلى أنني أحس بعدم الراحة في الغربة، فأنا أحس بأني مقصر في حق والدي -رغم أنهما يعذرانني - ولا أستطيع الصلاة في المسجد مع وجود فتنة حب الدنيا وفتنة الشهوات الموجودة هناك، كل هذه الأسباب جعلتني أفكر في الرجوع إلى بلدي والعيش بين المسلمين.
قبل فترة وجدت في بلادي فرعاً لجامعة بريطانية بمدينة أخرى، وكنت أخطط لإكمال الدراسة هناك بعد أن قيل لي من طرف الإدارة أنه يمكن لي المتابعة من السنة الثانية، لكوني قد درست عاماً في لندن, ولكني تفاجأت عندما علمت بالصدفة - من نفس المصدر - أنه يجب علي أن أبدأ من السنة الأولى، وهذا يعني دفع ثمن أكبر, ورغم أنها كانت صدمة لي فقد واصلت البحث ووجدت مدرسة بالقرب من منزلنا في المغرب ولكن الدراسة بالفرنسية - يعني أقل قيمة من الدراسة بالإنجليزية في بلادنا - وثمنها مرتفع قليلاً, وبعد أن تكلمت مع أحد أصدقائي نصحني بأن أغير الشعبة إلى: (logistics) في جامعة للدولة، رغم أن الدراسة هناك مضيعة للوقت كما هو معلوم في بلادنا مع الأسف، علماً بأن هذا التخصص مطلوب أكثر في سوق العمل من تخصص المعلومات.
أنا حائر في أمري: أريد إنهاء دراستي والعمل حتى أستطيع إعفاف نفسي بالزواج, وتواجهني مشاكل في الدراسة الآن، فكل الاختيارات الموجودة عندي الأولى أصعب من الأخرى، ولا أريد أن أضيع سنة أخرى من حياتي، فقد أضعت الآن سنتين من حياتي بسبب سوء الاختيار.
وسؤالي الآخر: هل تظنون أن كوني في سن الـ 21 سنة وكوني سأبدأ الدراسة الجامعية من أولها بسبب الظروف التي ذكرت آنفاً أني متأخر جداً كطالب من ناحية السن؟
الإجابــة:
سم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبًا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد, وأن يزيدك تدينًا واستقامة.
قد أصبت - أيها الحبيب - حين أدركت أن الإقامة في بلاد المسلمين في مساجدها خير لك بلا شك من الإقامة في بلاد الكفار، وإن كان ثمت نوع من الرخاء المادي وتحصيل شيء من أغراض الدنيا، فإن سلامة الدين رأس مال المسلم الذي يجب عليه أن يحرص على سلامته، والسلامة لا يعدلها شيء، وكما قال القائل: (إذا اتفق القليل وفيه سلم فلا تريد الكثير وفيه حرب).
وكن على ثقة - أيها الحبيب - بأن تقواك لله سبحانه وتعالى وقيامك بما أمرك به ووقوفك عند حدوده من أعظم الأسباب لتسهيل أمورك وتسهيل رزقك، فقد وعد الله تعالى بذلك في كتابه العزيز وأعطى وعودًا للمتقي، الواحد منها خير من الدنيا وما عليها، فقد قال في كتابه الكريم: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} وقال: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا} وقال: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا}.
فخير ما نوصيك به تقوى الله تعالى والحرص على سلامة دينك، والقيام بفرائض الله تعالى والاجتناب عن أسباب الفتن في الدين، ومهما نقص منك شيء بعد ذلك من كمال الدنيا فإن الله عز وجل سيخلفه عليك ويعوضك خيراً منه، ومن ثم فنصيحتنا لك أن تواصل الدراسة في بلدك، وتأخرك سنة أو سنتين لا يعني أبدًا بأنك قد تأخرت في الدراسة، فكثير من الشباب أمثالك يتأخرون أيضًا هذه المدة وأكثر منها لأسباب عديدة، وهذا شيء مألوف، فنوصيك بالجد والاجتهاد في إكمال ما تبقى من دراستك، والبحث عن العمل المناسب البعيد عن الوقوع فيما حرم الله عز وجل عليك، وتحسين علاقتك بالله تعالى بكثرة دعائه واللجوء إليه وكثرة استغفاره، فإن هذه أسباب أكيدة في تحصيل الأرزاق، كما أن المعصية والذنب سبب أكيد في الحرمان منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يُصيبه).
وقد أحسنت - أيها الحبيب - حين تجنبت ما أسميته بزواج المصلحة، فإن هذا الزواج كما أنه يتضمن محاذير ومخاطر عليك فإنه كذلك يتضمن محاذير شرعية دينية، فاصرف النظر عنه، وتوكل على الله سبحانه وتعالى، واطلب رزقك الحلال بالطرق والسبل المشروعة، وداوم على ما أنت عليه من الحرص على العيش في المساجد ومصاحبة الصالحين، والأخذ بالأسباب الشرعية الممكنة للرزق، وستجد آثار ذلك نجاحًا وفلاحًا في مستقبلك بإذن الله.
نسأل الله تعالى لك التوفيق لكل خير.